السبت، 15 يناير 2011

علوم : ثورات الطبيعة ... بين الإعتدال والطغيان

ثورات الطبيعة بين الإعتدال والطغيان


لا يكاد الإنسان يلتقط الأنفاس فيما بين ثورات الطبيعة ، إلا ويباغته فيض جديد ، وهذه المرة لم تأته ثورة بمفردها ، وإنما تعاضدت عليه رجات مزلزلة بقاع محيط سحيق ، تلاها طوفان هائل اكتسح الزرع والضرع والمأوى .


   عرف الإنسان الزلازل ، ذلك العدو المدمر ، وما تتعرض له الأرض سنوياً من أعدادها العظيمة ، لا يشعر بمعظمها ، إما لضعفها أو لحدوثها فى مناطق غير مأهولة ، فهو لا يحس بها عادة إلا حين تشتد إلى نحو أربع درجات على سلمها العلمى ريختر ، ويعرف جيداً خطورتها إذا ما زادت عن سبع درجات .

وفى المحاولات المضنية لتفسيرها ، تبلورت فى العام 1968 نظرية جامعة لكل التفسيرات العديدة التى امتدت لقرابة نصف قرن ، وانتظمت تلك النظرية مع معظم النظريات السابقة وخاصة نظرية الانجراف القارى ، بل وأقامت الدليل على صحتها ، وأطلق على تلك النظرية : الصفائح أو الألواح التكتونية ، التى تفسر أن القشرة الأرضية ليست متصلة ، بل مقسمة بشبكة من الصدوع إلى عدد من الألواح أو الصفائح التى تتحرك دوماً ، كل صفيحة منفردة ، كوحدة مستقلة متماسكة ، تسبح فوق غلالة من الصخور شبه المنصهرة من الطبقة التالية للقشرة الأرضية ، وتتعرض حدود تلك الألواح دوماً للإجهاد والشد ، مما ينتج طيات بفعل الإجهاد المستمر وتصدعات بفعل الإجهاد العنيف المفاجىء .

((أحزمة مهلكة))

   بمراقبته لمواقع الزلزال على اليابسة ، وجد الإنسان أنها لا نتنشر عشوائياً ، بل يتركز معظمها فى أحزمة رئيسية تمتد مسافات طويلة عبر البحار والقارات ، اشهرها وأقولها تلك الممتدة بطول الساحل الشرقى للمحيط الهادىء والتى تكون شريطاً طويلاً يحاذى غرب الأمريكتين واليابان والفلبين ويصل إلى استراليا ونيوزيلندا ، مشكلاً نحو 68% من زلازل العالم ، ومنها تلك التى حدثت فى ألاسكا العام 1964 ، وبيرو العام 1970 ، وشيلى العام 1985 ، واليابان عامى 1923 و 1995 ، ويعرف هذا الحزام بـ " حلقة النار " لأن الزلازل فيه تتصاحب غالباً مع انبثاق بركانى ، كان من اشدها ما حدث فى كولومبيا فى 14 نوفمبر العام 1992 ، حين انبثق فى اليوم التالى للزلزال حمم بركانية هائلة على جبال الأنديز .

   ووجد الإنسان أيضاً أن الحزام الثانى يقع على طول الساحل الغربى للمحيط الهادىء بدءاً بجزر اليابان شمالاً حتى أندونسيا جنوباً ، مروراً بقوس جزر تايوان ، والحزام الثالث يمتد عبر أفريقيا واوروبا وآسيا ، من جبال أطلس شمال إفريقيا ، عبر البحر الأبيض المتوسط وإيطاليا واليونان وتركيا حتى الصين ، ويعرف بحزام جبال اللب ، وفيه يقع نحو 21 فى المائة من زلازل العالم .
وكان أن أطلق كلمة " تسونامى Tsunami " ذلك التعبير اليابانى الذى يعنى " أمواج الميناء " على التيارات البحرية الزلزالية العنيفة ، فاصلاً بينه وبين المد البحرى المألوف ، مؤمناً بأن الزلازل ليست وحدها هى السبب الوحيد لحدوث تسونامى ، لكنها الأغلب ، يضاف إليها تأثيرات أخرى كالثورات البركانية وسقوط الأجسام الفضائية الهائلة .

(( سجل حافل بالمد ))

   حين يستعرض التاريخ بعضاً من ظاهرة تسونامى ، يجد أن أقدمها ربما ذاك الذى ضرب الطرف الشمالى من بحر إيجة عام 479 قبل الميلاد ، كما شهد القرنان الماضيان أعداداً كبيرة منها - تركت مظاهر عديدة من الإهلاك والدمار - لعل أهمها ، تلك التى ضربت الساحل الشرقى من جزيرة هونشو اليابانية ، نتيجة زلزال بحرى ضخم انطلق فى 5 يونيو 1896 فى منطقة الصدع تحت البحرى بأخدود اليابان ، فقد اندفعت أمواج البحر الزلزالية نحو اليابسة بارتفاع نحو 30 متراً وغمرت قرى بأكملها ، وجرفت أكثر من عشرة ألاف منزل ، وأغرقت نحو 26 ألف شخص ، وأنتشرت أمواجها شرقاً عبر المحيط الهادىء لتصل إلى جزيرة هيلو فى هاواى ، ثم توجهت إلى الساحل الأمريكى وانعكست مرتدة تجاه نيوزيلندا وأستراليا .

    كما شهد القرن العشرون عدة كوارث من التسونامى ، فقد انطلق القرن مع زلزال ومد بحرى ضاربين جزيرة صقلية الإيطالية العام 1908 وأسفر عن مقتل ما يناهز 100 ألف شخص ، خصوصاً فى مدن مسينا وريدجيو دى كالابريا وبالمى .

وفى العام 1960 تعرضت اليابان أيضاً لمد بحرى زلزالى ، بلغت سرعته 75 كيلو متراً فى الساعة وكان نتيجة للزلزال الذى شهدته شيلى ، مؤدياً إلى أرتفاع سطح الأرض بتسعة أمتار ، وقد تولدت موجة التيارات البحرية الزلزالية عن التصدع التكتونى داخل المحيط والتى يصل عرضها إلى مئات الأمتار والتى ترتفع طاقتها كلما اصطدمت بصفيحة فى عمق البحر .

   وفى شهر سبتمبر العام 1992 ، دمر مد بحرى زلزالى آخر مساكن حوالى 12 ألف شخص على سواحل نيكاراغو ، شهران بعد ذلك أدت سلسلة من الأمواج المحيطية الضخمة إلى محو عدة قرى فى منطقة بالى بإندونسيا ، وكانت مسئولة عن مقتل آلاف الأشخاص .

   وفى 17 يوليو العام 1998 ، وبعد  حدوث هزتين أرضيتين بقوة 7 درجات على سلم ريختر ، ضرب مد بحرى زلزالى مصحوباً بثلاث موجات ضخمة بارتفاع عشرة أمتار ، ثلاثين كيلومتراً من سواحل شمال منطقة بابوازيا فى غينيا الجديدة ، مما أدى ِإلى إزالة سبع قرى من الخريطة وإلى مقتل 2123 شخصاُ على الأقل .

   ولم يشهد العالم منذ نحو أربعة عقود ،زلزالاً يضاهى قوة الزلزال العنيف الأخير - خامس أشد زلزال عرفه على اليابسة منذ مائة عام - الذى ضرب دول جنوبى شرقى أسيا فى نهاية العام المنصرم ، فيما بين أندونيسيا وسيريلانكا والهند وتايلاند وماليزيا وجزر المالديف ، بل وأمتدت آثاره حتى الصومال والذى أودى بحياة أعداد هائلة من البشر ، إضافة إلى ما يزيد على نصف مليون جريح وملايين المشردين والمهددين بالأمراض والأوبئة ، وخسائر تقدر بمليارات الدولارات .

   وكان مركز الزلزال ، غلى الغرب من القسم الشمالى من جزيرة سومطرة الإندونيسية ببعد 250 كيلومتراً من الساحل الجنوبى الشرقى لإقليم " باندا أتشيه " و 320 كيلومتراً ، إلى الغرب من مدينة ميدان مسبباً موجات مد طوفانية بارتفاع عشرات الأمتار ، وقد بلغت قوته بحسب " المعهد الجيلوجى الأمريكى " قرابة 9 درجات على مقياس ريختر ، وبالرغم من ذلك ، يظل زلزال تشيلى للعام 1960 الأعنف الذى تم تسجيله منذ مطلع العام 1900 حيث بلغت قوته 9.5 درجة .

   وقد أوضح مدير المعهد الوطنى الإيطالى للجيوفيزياء أنزو بوش ، أن قوة ذلك الزلزال " حدث نادراً جداً " مضيفاً " أن هذه الزلازل تنتج عن تغييرات بقشرة الأرض بسبب تجمع طاقة هائلة ، وعندما تبلغ الطاقة المتجمعة والتغير مستوى خطيراً يحدث إنكسار ، وتكون شدة الزلزال بقدر ما يكون الإنكسار قوياً " ، وتابع " فى الحالة التى وقعت فى جنوبى شرقى آسيا تفاقم الوضع ، لأن الانكسار حدث فى عرض البحر ، مما تسبب فى ارتفاع عنيف فى الموج انتقل بسرعة هائلة " .


(( آسيا .. تاريخ مع الفياضانات والزلازل ))

   حصدت الكوارث الطبيعية فى آسيا ، خاصة الفيضانات والزلازل ، أكبر عدد من الأرواح لذا فهى تعد الأسوأ فى العالم على مر السنين .

    وتعد الصين ، البلد الأكبر سكاناً فى العالم ن الهدف الرئيسى لتلك الكوارث ، ففى العام 1920 ، ضربت هزة أرضية مقاطعة نينجزيا فى شمال غرب البلاد ، واسفرت عن مقتل نحو مائتى ألف شخص وفى السنين الإثنتى عشرة التى تلت ، شهدت الصين سلسلة من الكوارث الطبيعية ، وعاش هذا البلد اسوأ الكوارث التى حلت بالعالم فى تلك الحقبة ، ففى مايو العام 1927 ن قتل 200 ألف شخص فى زلزال ضرب مدينة ناشان جنوب البلاد ، وبعد خمس سنوات فقط ، أودى زلزال آخر ضرب مقاطعة جانسو شمال غرب الصين بحياة 70 ألفاً ، واستمرت الكوارث الطبيعية باستهداف هذا البلد الذى بات معتادا عليها ، وأسفرت السيول والفيضانات سنوياُ عن مقتل الآلاف ، لكن الفيضانات الأسوأ حدثت العام 1931 عندما فاض نهر يانجتسى وأغرق نحو ثلاثة ملايين شخص .
    أيضا، الزلزال الذى وقع فجر 28 يوليو العام 1976 ، حيث هز زلزال عنيف مدينة تانجشان بشمال الصين ، ما أسفر عن مقتل ما يناهز 700 ألف شخص ، وشأنهم شأن سكان سواحل جنوب شرق آسيا فى نكبتهم الأخيرة ، لم يتلق سكان تانجشان أى إنذار لحدوث هذه الكارثة التى حلت بهم وهم نيام ، وقد دمر الزلزال الذى استمر 15 ثانية 93% من المبانى السكنية .

   وفى بنجلاديش ، حصدت الفيضانات أعداداً هائلة من الضحايا ، كتلك التى ضربت جنوب البلاد العام 1942 وقتلت 61 ألف شخص ، والعام 1970 حيث أودت بحياة 300 ألف شخص ، وفى العام 1991 شهدت بنجلادش كارثة من اسوأ الكوارث الأخيرة بمقتل 139 ألف شخص فى فضايانات ضخمة ، لذا فقد اعتبر الخبراء أن الفيضانات هى الأكثر حصداً للأرواح بين الكوارث الطبيعية التى تضرب الأرض ، وبالرغم من أن الزلازل تسفر عادة عن أعداد كبيرة من القتلى .

(( نحن والتسونامى ))

   عن أقرب النقاط لمنطقتنا العربية ، البحر الأبيض المتوسط ، يوضح ميشال فيلنوف عالم الجيلوجيا الفرنسى بجامعة بروفانس ، أنه " عندما يكون هناك نشاط زلزالى ومسطح مائى ن فإن خطر وقوع حركة مد بحرى كبيرة قائم ولا يمكن الاستهانة به " ، ويضيف " إن محرك النشاط الزلزالى هو منطقة اندساس اللوح الإفريقى تحت اللوح الأورو آسيوى ، الواقع تحت منطقة الأطلس فى شمال إفريقيا من المغرب حتى تونس ، وتمتد أيضاً فى البحر حتى شمال صقلية " .


   ويرى الخبراء أن 80% من موجات المد البحرى الهائل تسجل فى المحيط الهادىء و 10% فى المحيط المتوسط حيث قوتها أضعف بشكل وسطى - على ما يطمئن فيليب لونيونيه مدير قسم الجيوفيزياء الفضائية والكونية فى معهد فيزياء الكرة الأرضية بباريس ، وثمة سببان وراء ذلك : إنخفاض القوة الوسطية للزلازل فى البحر المتوسط ، وصغر مسطح المياه ، الأمر الذى لا يسمح للموجة بأن تجمع الكثير من القوة كما حدث فى آسيا .

   بالرغم من ذلك ، فإن خطر وقوع حركة مد بحرى هائل ، قائم أيضاُ فى البحر المتوسط ، حيث سجلت هذه الظاهرة فى الماضى كما ذكر ، ويأسف العلماء لعدم وجود نظام إنذار مبكر فى تلك النطقة يدق ناقوس الخطر لمواجهة مباغتات الطبيعة المحتملة .

   ونظرياً ، لايمكن استبعاد سيناريو أن تضرب موجة تسونامى السواحل الفرنسية عند مستوى سهل الكامارغ ، ويصل المد حتى مدينى آرل على بعد 25 كيلومتراً من الساحل ، كما يحذر فيلنوف ، وقد طالت آخر موجة تسونامى صغيرة خلفها زلزال بومرداس ( الجزائر ) فى شهر مايو عام 2003 - من دون أن تسفر عن ضحايا - جزر البالييار ، والسواحل الفرنسية ، حيث انحسر مستوى المياه مؤقتاً 5.1 متر فى بعض الأماكن .

   ويتوقع تابونييه أن بحر مرمرة فى تركيا ، قد يكون على الأرجح المسرح المقبل لموجة تسونامى ، أصغر من تلك التى شهدتها آسيا أخيراً ن لكن الكثافة السكانية الكبيرة قد تجعل منها موجة قاتلة ، ويقول لونيونيه " إن الظواهر تتكرر فقط كل عشر أو خمسين سنة ، مما يخفف من وطأة الخطر فى آذهان السلطات والسكان ، وفى حين يتمتع المحيط الهادىء بنظام إنذار تشارك فيه 26 دولة ، فإن البحر المتوسط والمحيط الهندى يفتقران إلى نظام كهذا " ، ويقول تابونييه " إن ما حدث فى آسيا سيدفعنا ربما إلى التفكير ، حتى لو كان ذلك لا يشكل أولوية بالنسبة للدول ، وهذا الأمر مؤسف جداً " .

  باتريك سيمون ، مدير مكتب المخاطر الطبيعية فى وزارة البيئة الفرنسية ، يوضح أن الأمر الذى يعقد الإنذار هو أن عرض المتوسط يبلغ نحو ألف كيلومتلااً فقط ، مما يعنى أن موجة تسونامى يمكن أن تعبره فى ساعة أو أكثر بقليل ، وشدد على أن فرنسا بدأت دراسة لتحديد تواتر حدوث موجة من هذا النوع .

  
   عالم آخر ، جيراسيموس بابادوبولوس ، من معهد الجيوديناميك فى مرصد أثينا ، يؤكد أن فى اليونان التى شهدت أكبر نشاط زلزالى فى أوربا ، يقوم خبراء الزلازل بأول إجراءات لمسح مخاطر التسونامى ووضع نظام إنذار بعد فترة .

   " وعلى مدى ألفى سنة ، سجل نحو عشرين مدا عالياً فى البحر المتوسط ، كان بعضها قاتلاً ، كما حدث فى العام 551 م على طول الشاطىء اللبنانى السورى ، وفى مصر ، فى القرنين الرابع والرابع عشر ، وفى مسينيا ( إيطاليا ) العام 1908 " ، وليس هذا بالكثير ، على ما يقول بول تابونييه عالم الجيولوجيا فى معهد فيزياء الكرة الأرضية فى باريس .

   وتنتشر الصدوع فى البحر المتوسط ، حيث يوجد صدع ن شبيه بصدع سومطرة ، يمتد من البحر الأيونى حتى رودرس ، تسبب فى العام 365 م بمد بحرى امتد حتى صقلية ومصر ، وأدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص على ما يوضح ذلك العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق